سورة الأنفال - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11)}
فإن قلت: إلام يرجع الضمير في {وَمَا جَعَلَهُ}؟ قلت: إلى قوله: {أَنّي مُمِدُّكُمْ} [الأنفال: 9] لأن المعنى: فاستجاب لكم بإمدادكم.
فإن قلت: ففيمن قرأ بالكسر؟ قلت: إلى قوله: {إِنّي مُمِدُّكُمْ} لأنه مفعول القول المضمر فهو في معنى القول. ويجوز أن يرجع إلى الإمداد الذي يدل عليه ممدّكم {إِلاَّ بشرى} إلا بشارة لكم بالنصر، كالسكينة لبني إسرائيل، يعني أنكم استغثتم وتضرعتم لقلتكم وذلتكم، فكان الإمداد بالملائكة بشارة لكم بالنصر، وتسكيناً منكم، وربطاً على قلوبكم {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} يريد ولا تحسبوا النصر من الملائكة، فإن الناصر هو الله لكم وللملائكة. أو وما النصر بالملائكة وغيرهم من الأسباب إلا من عند الله، والمنصور من نصره الله.
{إِذْ يُغَشِّيكُمُ} بدل ثان من {إِذْ يَعِدُكُمُ} [الأنفال: 7] أو منصوب بالنصر، أو بما في {مِنْ عِندِ الله} [الأنفال: 10] من معنى الفعل، أو بما جعله الله، أو بإضمار اذكر. وقرئ {يغشيكم} بالتخفيف والتشديد ونصب النعاس والضمير لله عزّ وجل. و{أَمَنَةً} مفعول له.
فإن قلت: أما وجب أن يكون فاعل الفعل المعلل والعلة واحداً؟ قلت: بلى، ولكن لما كان معنى يغشاكم النعاس. تنعسون، انتصب أمنة على أن النعاس والأمنة لهم. والمعنى: إذ تنعسون أمنة بمعنى أمنا، أي لأمنكم، و{مِّنْهُ} صفة لها: أي أمنة حاصلة لكم من الله عزّ وجلّ.
فإن قلت: فعلى غير هذه القراءة قلت: يجوز أن تكون الأمنة بمعنى الإيمان، أي ينعسكم إيماناً منه. أو على يغشيكم النعاس فتنعسون أمناً، فإن قلت: هل يجوز أن ينتصب على أنّ الأمنة للنعاس الذي هو فاعل يغشاكم؟ أي يغشاكم النعاس لأمنه على أن إسناد الأمن إلى النعاس إسناد مجازي وهو لأصحاب النعاس على الحقيقة، أو على أنه أنامكم في وقت كان من حق النعاس في مثل ذلك الوقت المخوف أن لا يقدم على غشيانكم؟ وإنما غشيكم أمنة حاصلة من الله لولاها لم يغشكم على طريقة التمثيل والتخييل؟ قلت: لا تبعد فصاحة القرآن عن احتماله، وله فيه نظائر، وقد ألم به من قال:
يَهَابُ النوْمُ أَنْ يَغْشَى عُيُونا *** تَهَابُكَ فَهُوَ نَفَّارٌ شَرُودُ
وقرئ {أمنة} بسكون الميم. ونظير {أمن أمنة} {حيي حياة} ونحو (أمن أمنة) (رحم رحمة) والمعنى: أن ما كان بهم من الخوف كان يمنعهم من النوم، فلما طمأن الله قلوبهم وأمنهم رقدوا وعن ابن عباس رضي الله عنه: النعاس في القتال: أمنة من الله، وفي الصلاة: وسوسة من الشيطان {وَيُنَزِّلُ} قرئ بالتخفيف والتثقيل.
وقرأ الشعبي {ما ليطهركم به} قال ابن جني: ما موصولة وصلتها حرف الجر بما جره، فكأنه قال: ما للطهور.
و{رِجْزَ الشيطان} وسوسته إليهم، وتخويفه إياهم من العطش. وقيل: الجنابة، لأنها من تخييله. وقرئ {رجس الشيطان} وذلك أن إبليس تمثل لهم، وكان المشركين قد سبقوهم إلى الماء ونزل المسلمون في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء، وناموا فاحتلم أكثرهم، فقال لهم: أنتم يا أصحاب محمد تزعمون أنكم على الحق وأنكم تصلون على غير وضوء وعلى الجنابة، وقد عطشتم، ولو كنتم على حق ما غلبكم هؤلاء على الماء وما ينتظرون بكم إلا أن يجهدكم العطش، فإذا قطع العطش أعناقكم مشوا إليكم فقتلوا من أحبوا وساقوا بقيتكم إلى مكة، فحزنوا حزناً شديداً وأشفقوا، فأنزل الله عز وجل المطر، فمطروا ليلاً حتى جرى الوادي واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الحياض على عدوة الوادي، وسقوا الركاب، واغتسلوا وتوضؤوا، وتلبد الرمل الذي كان بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام، وزالت وسوسة الشيطان وطابت النفوس. والضمير في {بِهِ} للماء. ويجوز أن يكون للربط، لأن القلب إذا تمكن فيه الصبر والجراءة ثبتت القدم في مواطن القتال.


{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)}
{إِذْ يُوحِى} يجوز أن يكون بدلاً ثالثاً من {إِذْ يَعِدُكُمُ} [الأنفال: 7] وأن ينتصب بيثبت {إِنّى مَعَكُمْ} مفعول يوحي وقرئ {إني} بالكسر على إرادة القول، أو على إجراء يوحي مجرى يقول، كقوله: {أَنّي مُمِدُّكُمْ} [الأنفال: 9] والمعنى: أني معينكم على التثبيت فثبتوهم. وقوله: {سَأُلْقِى.... فاضربوا} يجوز أن يكون تفسيراً لقوله: {أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُواْ} ولا معونة أعظم من إلقاء الرعب في قلوب الكفرة ولا تثبيت أبلغ من ضرب أعناقهم. واجتماعهما غاية النصرة. ويجوز أن يكون غير تفسير، وأن يراد بالتثبيت أن يخطروا ببالهم ما تقوى به قلوبهم وتصح عزائمهم ونياتهم في القتال، وأن يظهروا ما يتيقنون به أنهم ممدّون بالملائكة. وقيل: كان الملك يتشبه بالرجل الذي يعرفون وجهه فيأتي فيقول: إني سمعت المشركين يقولون: والله لئن حملوا علينا لننكشفنّ، ويمشي بين الصفين فيقول: أبشروا، فإن الله ناصركم لأنكم تعبدونه. وهؤلاء لا يعبدونه. وقرئ {الرعب} بالتثقيل {فَوْقَ الاعناق} أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح، لأنها مفاصل، فكان إيقاع الضرب فيها حزا وتطييرا للرؤوس. وقيل: أراد الرؤوس لأنها فوق الأعناق، يعني ضرب الهام. قال:
وَأضْرِبُ هَامَة الْبَطَلِ الْمُشِيحِ غَشَّيْتُهُ *** وَهْوَ فِي جَأْوَاءَ بَاسِلَة
عَضْباً أَصَابَ سَوَاءَ الرَّأْسِ فَانْفَلَقَا ***
والبنان: الأصابع، يريد الأطراف. والمعنى: فاضربوا المقاتل والشوي، لأن الضرب إما واقع على مقتل أو غير مقتل، فأمرهم بأن يجمعوا عليهم النوعين معاً. ويجوز أن يكون قوله {سَأُلْقِى} إلى قوله: {كُلَّ بَنَانٍ} عقيب قوله: {فَثَبّتُواْ الذين ءامَنُواْ} تلقينا للملائكة ما يثبتونهم به، كأنه قال: قولوا لهم قولي: {سَأُلْقِى فِي قُلُوبِ الذين كَفَرُواْ الرعب} أو كأنهم قالوا: كيف نثبتهم؟ فقيل: قولوا لهم قولي: {سَأُلْقِى} فالضاربون على هذا هم المؤمنون.


{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)}
{ذلكم} إشارة إلى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل، ومحله الرفع على الابتداء و{بِأَنَّهُمْ} خبره، أي ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقتهم. والمشاقة: مشتقة من الشق، لأن كلا المتعاديين في شق خلاف شق صاحبه، وسئلت في المنام عن اشتقاق المعاداة فقلت: لأن هذا في عدوة وذاك في عدوة، كما قيل: المخاصمة والمشاقة، لأن هذا في خصم أي في جانب، وذاك في خصم، وهذا في شق، وذاك في شق. والكاف في {ذلك} لخطاب الرسول عليه الصلاة و السلام، أو لخطاب كل واحد، وفي {ذلكم} للكفرة، على طريقة الالتفات. ومحل {ذلكم} الرفع على ذلكم العقاب، أو العقاب ذلكم {فَذُوقُوهُ} ويجوز أن يكون نصباً على: عليكم ذلكم فذوقوه، كقولك: زيداً فاضربه {وَأَنَّ للكافرين} عطف على ذلكم في وجهيه، أو نصب على أن الواو بمعنى مع. والمعنى: ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة، فوضع الظاهر موضع الضمير، وقر الحسن {وإن للكافرين} بالكسر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8